Translate

الانحراف

الانحراف الاجتماعى

يستعمل هذا الاصطلاح في توضيح السلوك الذي لا يتماشى مع القيم والمقاييس والعادات والتقاليد الاجتماعية التي يعتمدها المجتمع في تحديد سلوكية أفراده. والدراسات النظرية للانحراف تهتم دائماً بالسلوك غير الوظيفي والسلوك الشاذ الذي يتناقض مع الأحكام الاجتماعية والعرفية الضرورية لعملية التماسك الاجتماعي في النظام أو الجماعة. والسلوك المنحرف حسب آراء العالم ام. كلنارد هو السلوك الذي يجلب السخط الاجتماعي من لدن أفراد المجتمع لتحديه العرف والتقاليد الاجتماعية.

إن الدراسات النظرية الأصلية التي قام بها توماس هوبز وسكموند فرويد حول السلوك المنحرف تؤكد على أن السلوك المنحرف ما هو إلا صراع بين رغبات وطموحات ودوافع الفرد من جهة ووسائل الضبط الاجتماعي والسلوكي التي يعتمدها المجتمع أو الجماعة من جهة أخرى. وما الانحراف إلا نتيجة لفشل وسائل الضبط الاجتماعي في السيطرة على الدوافع الطبيعية الكامنة عند الإنسان. غير أننا من جهة ثانية نشاهد بأن النظرية الاجتماعية الحديثة التي عبر عنها روبرت ميرتن في كتابه (النظرية الاجتماعية والتركيب الاجتماعي) تذكر بأن السلوك المنحرف ما هو إلا وليد التفاعلات التي تقع بين مؤسسات المجتمع المختلفة. يقول ميرتن بأن هناك عنصرين رئيسيين في التركيب الاجتماعي هما الأهداف والمكافآت، والتي دائماً ما تعمل على تشجيع الأفراد على العمل والاجتهاد، فتحدد منازلهم ومراكزهم الاجتماعية وتملي عليهم الوسائل التي يقتفونها بغية تحقيق الأهداف والحصول على المكافآت. إن المراكز التي يحتلها الأفراد تلعب الدور القيادي في تحقيق أهدافهم لكن احتلال المراكز يعتمد على درجة نجاح الأفراد في أعمالهم. وعادة لا توزع الأعمال على الأفراد بصورة عادلة وشرعية أي لا تعطي لهم الفرصة المتساوية في تحقيق الأهداف والحصول على المكافآت. لهذا ترتفع نسب السلوك المنحرف بين الأفراد الذين لا يعطيهم المجتمع الفرص الكافية والظروف المساعدة على تحقيق أهدافهم وطموحاتهم خصوصاً عندما يطلب منهم الوصول إلى الأهداف الاجتماعية العليا التي يثمنها المجتمع.

نشاهد في جميع المجتمعات وجود نظام معقد ومتدرج من المكافآت والأهداف. فالفرد الذي يناضل من أجل النجاح ونضاله يعتمد على الطرق الشرعية التي يقرها المجتمع يشجع على الاستمرار بهذا العمل طالما ان المجتمع يحترم ويقدر تقدمه هذا. لكن التأكيد المتزايد على تحقيق أهداف معينة كالحصول على الرواتب والأجور العالية بغية الحصول على السمعة والاحترام قد يدفع إلى ظهور حالة لا تستطيع فيها العادات والعرف الاجتماعي ضبط سلوك الفرد. كما هي الحالة في لجوء بعض الافراد إلى الاساليب اللاأخلاقية للحصول على المادة كقيام بعض الأفراد بالسرقة أو اختلاس الأموال، هذه الأعمال التي تشير إلى السلوك المنحرف الذي لا ينسجم مع أخلاق وعادات المجتمع السوية.

إلا أن النظام الاجتماعي الذي توجد فيه درجة عالية من المنافسة بين الأفراد يقود حتماً إلى ظهور حالات مختلفة من السلوك المنحرف أشهرها حالة الجنوح الاجتماعي. لكن العالم ميرتن يميز ثلاثة حالات يندفع الفرد من خلالها إلى تقليل وتخفيض حدة خيبة أمله التي يسببها له نظامه الاجتماعي خصوصاً إذا كان الفرد مضطهداً اجتماعياً، وهذه الحالات الثلاث هي حالة التمسك بالطقوس أي الالتزام المطلق بالأحكام الاجتماعية والتقيد بأهداف المجتمع، وحالة التراجع أي رفض الأهداف الحضارية وطرق الوصول إليها وأخيراً حالة الثورة أي الردة على المجتمع وتحدي قيمه ومقاييسه.

إن الدراسات التجريبية للانحراف السلوكي والاجتماعي متجهة في الوقت الحاضر نحو دراسة مشاكل اجتماعية معينة مثل الجريمة، الجنوح، تناول المخدرات، الانتحار، الزنا، الطلاق، والصراعات العنصرية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق